18 - 12 - 2025

رشقة أفكار | دفتر محمد هاشم مفتوح للحياة.. لا موت فيه ولا عزاء!

رشقة أفكار | دفتر محمد هاشم مفتوح للحياة.. لا موت فيه ولا عزاء!

- دعوة مفتوحة لكل الأصدقاء لتدوين ذكرياتهم معهم.. ففيه تكريم لميريت وهاشم وثورة يناير  ٢٠١١
- نجاد البرعي الذي أكد أن طرقه لم تتقاطع أبدا مع هاشم يقول "لو ان بعض الناس حزنوا لوفاته فعلًا، فكيف كانوا يقولون عليه "كلاما صعبا جدًا"؟!
- صافي ناز كاظم تستغرب لماذا الفيس بوك "مقلوب" بعد الإعلان عن رحيل (الناشر) الذي تعمدت تجاهل اسمه واتهمته بالظلم للطفلة!
- مؤسسة سميح القاسم تنعى هاشم كأحد ابرز رموز النشر التقدمي مصريًا وعربيًا وتنوه بدوره المساند بقوة لقضايا الشعب الفلسطيني.
- البيان ينوه بأنه بقدر ماكان هاشم مُتيّمًا "في حبّ الكتاب والحرية"، فقد كان عاشقًا لفلسطين وآخر إصداراته "مختارات سميح القاسم" تقدّموا – وإلى آخر نبضٍ في عروقي سأقاوم"، من تقديم رجا زعاترة.
- نبيل عبد الفتاح ناعيًا صديق عمره: كل العقول الكبيرة والمبدعة جاءت الي ميريت، ونشرت أعمالها، ووراء تاريخها وهاشم سرديات متعددة، لم تكتب بعد، خاصة مصر الأخري المستقلة المبدعة.

- نعم الفيس بوك "مقلوب" ياست صافي ناز!

- صافي ناز كاظم  تقول بثقة "لعلي أكون الوحيدة التي لم تأسف عليه، وكيف أأسف على ظالم لطفلة "(!!). تستغرب صافي ليه الفيس مقلوب بسبب الناشر (الذي لم تذكر إسمه تجاهلا له !) مع أن الموت لاتجاهل فيه ولا شماته.. السبب في تقديرها أنه ظلم الطفلة الصغيرة وأضافت: كل الناس تعرف ذلك! أعرف تطرف مشاعر صافي ناز وحِدَتِها منذ زمن، وأقبل منها هذه الحدة فقط إذا كانت ضد السلطة والحكومة والمسؤولين، لكن حدتها مع البشر.. وفي المصاب الجلل كالفقدان والرحيل لا أفضلها. الطفلة الصغيرة التي تقصدها من المؤكد أنها تحظى بتعاطف من كثيرين، وموقف هاشم هو أيضا موقف يتبناه كثيرمن المثقفين المرموقين في المقابل، وهو ليس موجها ضد الطفلة. بالنسبة لي أنا أقف مخالفًا لهاشم في هذا الأمر.. ولهؤلاء الكثيرين.. ليس لأجل الطفلة فقط، ولكن لأن هذه الطفلة لها أم أعطت ومنحت وقدمت، كما أن لها عائلة تحاسبها .. ووجب رد الاعتبار لها وعدم إذلالها بأي صورة من الصور.

- أما نجاد البرعي فأراد أن يقول للناس "لو كان- هاشم - له في قلوب بعض الناس كل الحب ده، إزاي ناس منهم بتقول عليه كلام صعب جدًا"، وكانوا يرددونه ولا يقولون له وإنما يقولونه من ورائه، وأنا لا أفعل ذلك. نجاد البرعي الذي لم تتقاطع طرقه يوما ما مع هاشم فاته الكثير من متعة معرفة محمد هاشم، والجلوس في حضرة ميريت صانعة الفكر والثقافة في غياب كثير من الدور والمؤسسات الثقافية، وبالنسبة لهاشم أقول من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر!

موقف صافي ناز ليس كريما في الموت، وأستغرب من امرأة تشتغل بالنقد المسرحي ألا يتسع صدرها ليري الصورة كاملة، ولا يحكم على الناس لموقفهم من حادثة ما، تبدو لنا مثل تلك الواقعة الشهيرة لـ"راشومون"، والتي أوردها د. زكي نجيب محمود في كتابه جنة العبيط بعنوان راشومون والحقيقة الضائعة وفيها أن أربع شخصيات دخلوا غابة فإذا بهم يفاجأون بجريمة قتل، تبين أن الأربعة جميعهم عندما مثلوا أمام جهات التحقيق فإن كلًا منهم تناول مشهد رؤيته للجريمة من زاويته هو.. فجاءت الإجابات الأربعة مختلفة عن بعضها البعض، ومن هنا كانت الحقيقة الضائعة في المشهد!

الصورة عند فريق معتبر من المفكرين والمثقفين مثل نبيل عبد الفتاح ومحمد هاشم وآخرون مختلفة عنها عندي وعند آخرين غيري.. ولكني أظن أن صافي ناز أرادت بتطرف وحدّه النيل من هاشم، فألبسته في حائط ظلمه لـ"طفلة" وظني - وبعضه ليس إثما - أنها تريد النيل من بعض سلوكياته التي ألمح إليها بوست نجاد البرعي وبعض البوستات الأخرى!

عمر إمام الذي بث لايف أمس يطالب فيه الرئيس ووزير الثقافة ورئيس معرض الكتاب بأن يستبدلوا محمد هاشم بنجيب محفوظ، بحيث تكون هذه الدورة في معرض الكتاب باسم هاشم بدلا من محفوظ، مقدرًا أن  اختيار نجيب محفوظ من قبل هو أمر مستحق، لكنه يعّوِل على سخونة لحظة موت هاشم.. الآنية.. التي حدثت للتو، في مقابل أن تعاقب السنين على وفاة محفوظ تشعر الناس تجاهها بأنها بردت وفترت.. هكذا قال محب لهاشم ومقدر له وعارف بفضله، وذاهب مع نعشه لدفنه في قريته بجانب أمه كما أوصي هاشم!

الحب يقابله حب، ولمن يريد أن يعرف قيمة الرجل"الخطاء" كما يحاول بعضهم أن يختزل هاشم في هذه الجزئية، عليه أن يقرأ مثلا رثاء بقلم نبيل عبدالفتاح صديق عمره.. والحقيقة أن الصدمة التي تلقاها نبيل كانت من النوع المحسوس الذي تشعر به ولا تعيشه معه. أظن أنه بعد دقيقة من صدمته برحيل هاشم انعزل عن الدنيا.. لا حس له ولا خبر.. هاتفه يبدو ميتا.. الواتس يبدو حزينا ويعلن الحداد.. الفيس بوك كما لو أنه مغلق بالضبة والمفتاح، وتمر ستة عشر ساعة كاملة قبل أن يفكر نبيل في الحضور من عالم هاشم إلى الواقع، وقبل أن يسمح لدمعة واحدة أن تذرف كتابة على ورق يحترق بحزن عارم لا حدود له ولا يتوقف.

بينما تتوقف دموع وأحزان إبراهيم داوود عند حدود نشر صورة له مع شوما بدون تعليق سوى ابتسامتهما العريضة وهما يتعانقان، فإن رثاء إبراهيم عبد الفتاح - وكلا الإبراهيمين من أشعر الشعراء - كتب عن هاشم الذي كانت حياته مفعمة بحب الناس والأصدقاء و "ميريت " التي ظلت مكانا يستقبل الجميع وفيه حكايات وأحداث.. وفيها حب وفيها خلافات وفيها تناقضات!

في الدقائق الأولى التي عرفت فيها بالخبر من بوست مقتضب لأقرب أصدقاء هاشم إلى قلبه، وهو المترجم المرموق إيهاب عبد الحميد، شعرت بأنه ينزف حزنا.. لايقوى على الاستمرار في الكتابة، فكان أول تعبير لى هو: "في وداع محمد هاشم فقدنا جزءًا غاليًا من تاريخنا الإنساني والثقافي،  ناشر واع ومستنير ومناضل له أخطاؤه وتاريخه في الثورة والمقاومة والنشر الواعي".

في تلك اللحظات تمنيت لو كنت جالسًا مع كل الأصدقاء لنرى ماذا سنفعل.. بين نبيل عبدالفتاح وإيهاب عبد الحميد وأحمد اللباد والموك وعادل واسيلي وعلاء طه وأحمد الرسام، وكيف سنذهب بجثمانه إلى مقبرة والدته، وأين ستقام ليلة عزائه، هل بالقرب من ميدان التحرير أم في ذلك المسجد القريب من دار ميريت سابقا في شارع صبري أبوعلم!

في سابقة نادرة، فإن الذين ودعوا رؤوف عياد رسام الكاريكاتير المعروف بمجلة صباح الخير، نفذوا وصيته وسهروا في "الجريون" ليلتها، وتركوا مكانا لدموعهم وأحزانهم يذرفونها في بيوتهم.. وكأن الليلة خمر وغدًا أمرٌ على حد قول العرب.

مؤسسة سميح القاسم نعت الناشر المصري الكبير محمد هاشم ببالغ الحزن والأسي، كأحد أبرز رموز النشر التقدّمي في مصر والعالم العربي، الذي قدّم نموذجًا فريدًا في العمل الثقافي على مدار أكثر من ربع قرن في دار "ميريت".

وقالت في بيانها: بقدر ما كان محمد هاشم مُتيّمًا "في حبّ الكتاب والحرية"، فقد كان عاشقًا لفلسطين ومسكونًا بقضيّتها. وكان اللقاء الأوّل بين الشاعر الفلسطيني الكبير والمثقف المصري الشاب في التسعينيات، وتجدّدت العلاقة مؤخرًا، حيث شاءت الأقدار أن يكون آخر إصدارات دار ميريت عبارة عن مختارات سميح القاسم "تقدّموا – وإلى آخر نبضٍ في عروقي سأقاوم"، من تقديم رجا زعاترة. وجاء رحيل "هاشم" الصادم في خضمّ التحضيرات لتنظيم ندوات عن المختارات خلال معرض القاهرة الدولي الكتاب، في يناير 2026 بالقاهرة.

واعتبرت رحيل محمد هاشم خسارة فادحة ومؤلمة للحركة الثقافية والوطنية المصرية وللمشهد الثقافي والأدبي في العالم العربي، لا يعزّينا فيها سوى هذا الإرث الكبير والمتنوّع في نشر أهم العناوين لأهم الأدباء في الشعر والفكر والرواية، ودعم الأقلام الشابة، والالتزام الدائم بقضية الإنسان. وهذه السيرة الفريدة لناشر أصرّ على حرية الكلمة وعلى دقة البوصلة.

تعازينا القلبية - مؤسسة سميح القاسم - نرسلها من جبال الجليل وحيفا وعكا إلى عائلة الفقيد الكبير في مصر الحبيبة، وأصدقائه وتلاميذه، له الرحمة ولروحه السلام ولذكراه الخلود، وكما قال سميح القاسم "أبدًا على هذا الطريق/ شرفُ السَّواقي أنها تفْنى/ فِدى النَّهْر العميق".

أما نبيل عبد الفتاح فمن بين ماكتبه في وداع صديق عمره محمد هاشم: سرديات ميريت السياسية/ الثقافية الكتابية والشفاهية كانت جزءا من يقظة عقل مصر الأخري المستغنية الساعية للتقدم والحرية طريقا لأداء رسالتها منذ الدولة الحديثة.

وقال أيضًا: كل العقول الكبيرة والمبدعة جاءت الي ميريت، ونشرت أعمالها، ووراء تاريخها وهاشم سرديات متعددة، لم تكتب بعد، خاصة مصر الأخري المستقلة المبدعة.

هنا أتوقف عند طرح نبيل عبد الفتاح لأدعوه إلى المساهمة الفاعلة لتكريم ذكرى صديقه وصديقنا محمد هاشم بأن نفتح دفترا للتدوين لا للعزاء، تدّون  فيه كل الذكريات بأقلام معاصريه ومجالسيه ورفقائه في ميدان الثورة.. الحكايات التي لم تروَ.. التاريخ المشترك الذي لم يكتب.. إننا أحوج ما نكون إلى مثل هذا الكتاب ليكون وثيقة شاهدة على عصر كامل، كان من أبرز رموزه محمد هاشم.. وبالطبع سيكون هناك رؤية للكتابة تشرف عليها، ورؤية فنية للتصميم يشرف عليها الفنان الكبير أحمد اللباد، وبقية الأمور المادية والإدارية عند دار ميريت وصديقنا العزيز إيهاب عبد الحميد. راجيًا وآملا أن تكون هذه دعوة مفتوحة للجميع للكتابة والتدوين عن الكاتب والمثقف والناشر المناضل محمد هاشم رحمة الله عليه.
----------------------------------
بقلم: محمود الشربيني


مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | درس الرجل الذي مات !